فصل: قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد جاء هذا المعنى من ذكر الإذهاب بعد وصفه تعالى بالغني في قوله تعالى: {وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء} وجاء أيضًا تعليق الإذهاب مختومًا آخر الآية بذكر القدرة الدالة على ذلك في قوله: {إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرًا} روي أن الوليد بن المغيرة قال لقوم من المؤمنين: اكفروا بمحمد وعليّ وزركم، فنزلت.
وأخبر تعالى، لا يحمله أحد عن أحد.
قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة: هذه الآية في الذنوب والجرائم.
ويقال: وزر الشيء: حمله، ووازرة: صفة لمحذوف، أي نفس وازرة: حاملة، وذكر الصفة ولم يذكر الموصوف مقتصرًا عليه، لأن المعنى: أن كل نفس لا ترى إلا حامله وزرها، لا وزر غيرها، فلا يؤاخذ نفسًا بذنب نفس، كما يأخذ جبابرة الدنيا الجار بالجار، والصديق بالصديق، والقريب بالقريب.
وقال ابن عطية: ومن تطرف من الحكام إلى أخذ قريب بقريبه في جريمه، كفعل زياد ونحوه، فإنما ذلك ظلم، لأن المأخوذ ربما أعان المجرم بموازرة ومواصلة، أو اطلاع على حاله وتقرير لها، فهو قد أخذ من الجرم بنصيب. انتهى.
وكأن ابن عطية تأول أفعال زياد وما فعل في الإسلام، وكانت سيرته قريبة من سيرة الحجاج، ولا منافاة بين هذه الآية في العنكبوت، لأن تلك في الضالين المضلين يحملون أثقال إضلال الناس مع أثقال ضلالهم، فكل ذلك أثقالهم، ما فيها من ثقل غيرهم شيء.
ألا ترى: {وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء} {وإن تدع مثقلة}: أي نفس مثقلة بحملها، {إلى حملها لا يحمل منه شيء}: أي لا غياث يومئذ لمن استغاث، ولا إعانة حتى أن نفسًا قد أثقلتها الأوزار لو دعت إلى أن يخفف بعض وزرها لم تجب وإن كان المدعو بعض قرابتها من أب أو ولد أو أخ فالآية قبلها في الدلالة على عدل الله في حكمه وأنه لا يؤاخذ نفسًا بغير ذنبها وهذه في نفي الإعانة والحمل ما كان على الظهر في الأجرام فاستعير للمعاني كالذنوب ونحوها فيجعل كل محمول متصلًا بالظهر كقوله: {وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم} كما جعل كل اكتساب منسوبًا إلى اليد.
وقرأ الجمهور: يحمل بالياء، مبنيًا للمفعول؛ وأبو السمال عن طلحة، وإبراهيم بن زادان عن الكسائي: بفتح التاء من فوق وكسر الميم، وتقتضي هذه القراءة نصب شيء، كما اقتضت قراءة الجمهور رفعه، والفاعل بيحمل ضمير عائد على مفعول تدع المحذوف، أي وإن تدع مثقلة نفسًا أخرى إلى حملها، لم تحمل منه شيئًا.
واسم كان ضمير يعود على المدعو المفهوم من قوله: {وإن تدع}، هذا معنى قول الزمخشري، قال: وترك المدعو ليعم ويشمل كل مدعو.
قال: فإن قلت: فكيف استفهام إضمار، ولا يصح أن يكون العام ذا قربى للمثقل؟ قلت: هو من العموم الكائن على طريق البلد. انتهى.
وقال ابن عطية: واسم كان مضمر تقديره ولو كان.
انتهى، أي ولو كان الداعي ذا قربى من المدعو، فإن المدعو لا يحمل منه شيئًا.
وذكر الضمير حملًا على المعنى، لأن قوله: {مثقلة}، لا يريد به مؤنث المعنى فقط، بل كل شخص، فكأنه قيل: وإن تدع شخصًا مثقلًا.
وقرىء: ولو كان ذو قربى، على أن كان تامة، أي ولو حضر إذا ذاك ذو قربى ودعته، لم يحمل منه شيئًا.
وقالت العرب: قد كان لبن، أي حضر وحدث.
وقال الزمخشري: نظم الكلام أحسن ملاءمة للناقصة، لأن المعنى: على أن المثقلة إذا دعت أحدًا إلى حملها لا يحمل منه، وإن كان مدعوها ذا قربى، وهو معنى صحيح ملتئم.
ولو قلت: ولو وجد ذو قربى، لتفكك وخرج عن اتساقه والتئامه. انتهى.
وهو نسق ملتئم على التقدير الذي ذكرناه، وتفسيره كان، وهو مبني للفاعل، يؤخذ المبني للمفعول تفسير معنى، وليس مرادفًا ومرادفه، حدث أو حضر أو وقع، هكذا فسره النحاة.
ولما سبق ما تضمن الوعيد وبعض أهوال القيامة، كان ذلك إنذارًا، فذكر أن الإنذار إنما يجدي وينفع من يخشى الله.
{بالغيب}: حال من الفاعل أو المفعول، أي يخشون ربهم غافلين عن عذابه، أو يخشون عذابه غائبًا عنهم.
وقيل: بالغيب في السر، وقيل: بالغيب، أي وهو بحال غيبه عنهم إنما هي رسالة.
وقرأ الجمهور: {ومن تزكى}، فعلًا ماضيًا، {فإنما يتزكى}: فعلًا، مضارع تزكى، أي ومن تطهر بفعل الطاعات وترك المعاصي، فإنما ثمرة ذلك عائدة عليه، وهو إنما زكاته لنفسه لا لغيره، والتزكي شامل للخشية وإقامة الصلاة.
وقرأ العباس عن أبي عمرو: ومن يزكى فإنما يزكى، بالياء من تحت وشدّ الزاي فيهما، وهما مضارعان أصلهما ومن يتزكى، أدغمت التاء في الزاي، كما أدغمت في الذال في قوله: {يذكرون} وقرأ ابن مسعود، وطلحة: ومن ازكى، بإدغام التاء في الزاي واجتلاب همزة الوصل في الابتداء؛ وطلحة أيضًا: فإنما يزكى، بإدغام التاء في الزاي.
{وإلى الله المصير}: وعد لمن يزكى بالثواب.
{وما يستوي الأعمى والبصير} الآية: هي طعن على الكفرة وتمثيل.
فالأعمى الكافر، والبصير المؤمن، أو الأعمى الصنم، والبصير الله عز وجل وعلا، أي لا يستوي معبودهم ومعبود المؤمنين.
والظلمات والنور، والظل والحرور: تمثيل للحق والباطل وما يؤديان إليه من الثواب والعقاب.
والأحياء والأموات، تمثيل لمن دخل في الإسلام ومن لم يدخل فيه.
والحرور: شدّة حر الشمس.
وقال الزمخشري: والحرور: السموم، إلا أن السموم تكون بالنهار، والحرور بالليل والنهار؛ وقيل: بالليل. انتهى.
وقال ابن عطية: قال رؤبة: الحرور بالليل، والسموم بالنهار، وليس كما قال، وإنما الأمر كما حكى الفراء وغيره: أن السموم يختص بالنهار.
ويقال: الحرور في حر الليل، وفي حر النهار. انتهى.
ولا يرد على رؤبة، لأنه منه تؤخذ اللغة، فأخبر عن لغة قومه.
وقال قوم: الظل هنا: الجنة، والحرور: جهنم، ويستوي من الأفعال التي لا تكتفي بفاعل واحد.
فدخول لا في النفي لتأكيد معناه لقوله: {ولا تستوي الحسنة والسيئة} وقال ابن عطية: دخول لا إنما هو على هيئة التكرار، كأنه قال: ولا الظلمات والنور ولا النور والظلمات، فاستغنى بذكر الأوائل عن الثواني، ودل مذكور الكلام على متروكه. انتهى.
وما ذكر غير محتاج إلى تقديره، لأنه إذا نفى استواء الظلمات والنور، فأي فائدة في تقدير نفي استوائهما ثانيًا وادعاء محذوفين؟ وأنت تقول: ما قام زيد ولا عمرو، فتؤكد بلا معنى النفي، فكذلك هذا.
وقرأ زادان عن الكسائي: وما تستوي الأحياء، بتاء التأنيث؛ والجمهور: بالياء، وترتيب هذه المنفي عنها الاستواء في غاية الفصاحة.
وذكر الأعمى والبصير مثلًا للمؤمن والكافر، ثم البصير.
ولو كان حديد النظر لا يبصر إلا في ضوء، فذكر ما هو فيه الكافر من ظلمة الكفر، وما هو فيه المؤمن من نور الإيمان.
ثم ذكر مآلهما، وهو الظل، وهو أن المؤمن بإيمانه في ظل وراحة، والكافر بكفره في حر وتعب.
ثم ذكر مثلًا آخر في حق المؤمن والكافر فوق حال الأعمى والبصير، إذ الأعمى قد يشارك البصير في إدراك مّا، والكافر غير مدرك إدراكًا نافعًا، فهو كالميت، ولذلك أعاد الفعل فقال: {وما يستوي الأحياء ولا الأموات}، كأنه جعل مقام سؤال، وكرر لا فيما ذكر لتأكيد المنافاة.
فالظلمات تنافي النور وتضاده، والظل والحرور كذلك، والأعمى والبصير ليس كذلك، لأن الشخص الواحد قد يكون بصيرًا.
ثم يعرض له العمى، فلا منافاة إلا من حيث الوصف.
والمنافاة بين الظل والحرور دائمة، لأن المراد من الظل عدم الحر والبرد؛ فلما كانت المنافاة أتم، أكد بالتكرار.
وأما الأحياء والأموات من حيث أن الجسم الواحد يكون محلًا للحياة، فيصير محلًا للموت.
فالمنافاة بينهما أتم من المنافاة بين الأعمى والبصير، لأن هذين قد يشتركان في إدراك مّا، ولا كذلك الحي.
والميت يخالف الحي في الحقيقة، لا في الوصف، على ما بين في الحكمة الإلهية.
وقدّم الأشرف في مثلين، وهو الظل والحر؛ وآخر في مثلين، وهما البصير والنور، ولا يقال لأجل السجع، لأن معجزة القرآن ليست في مجرد اللفظ، بل فيه.
وفي المعنى: والشاعر قد يقدّم ويؤخر لأجل السجع والقرآن.
المعنى صحيح، واللفظ فصيح، وكانوا قبل المبعث في ضلالة، فكانوا كالعمي، وطريقهم الظلمة.
فلما جاء الرسول، واهتدى به قوم، صاروا بصيرين، وطريقهم النور، وقدّم ما كان متقدّمًا من المتصف بالكفر، وطريقته على ما كان متأخرًا من المتصف بالإيمان وطريقته.
ثم لما ذكر المآل والمرجع، قدّم ما يتعلق بالرحمة على ما يتعلق بالغضب، كما جاء: سبقت رحمتي غضبي، فقدّم الظل على الحرور.
ثم إن الكافر المصر بعد البعثة صار أضل من الأعمى، وشابه الأموات في عدم إدراك الحق فقال: {وما يستوي الأحياء}: الذين آمنوا بما أنزل الله، {ولا الأموات}: الذين تليت عليهم الآيات البينات، ولم ينتفعوا بها.
وهؤلاء كانوا بعد إيمان من آمن، فأخرهم لوجود حياة المؤمنين قبل ممات الكافر.
وأفرد الأعمى والبصير، لأنه قابل الجنس بالجنس، إذ قد يوجد في أفراد العميان ما يساوي به بعض أفراد البصراء، كأعمى عنده من الذكاء ما يساوي به البصير البليد.
فالتفاوت بين الجنسين مقطوع به، لا بين الأفراد.
وجمعت الظلمات، لأن طرق الكفر متعدّدة؛ وأفرد النور، لأن التوحيد والحق واحد، والتفاوت بين كل فرد من تلك الأفراد وبين هذا الواحد فقال: الظلمات لا تجد فيها ما يساوي هذا النور.
وأما الأحياء والأموات، فالتفاوت بينهما أكثر، إذ ما من ميت يساوي في الإدراك حيًا، فذكر أن الأحياء لا يساوون الأموات، سواء قابلت الجنس بالجنس، أم قابلت الفرد بالفرد. انتهى.
من كلام أبي عبد الله الرازي، وفيه بعض تلخيص.
ثم سلى رسوله بقوله: {إن الله يسمع من يشاء}: أي إسماع هؤلاء منوط بمشيئتنا، وكنى بالإسماع عن الذي تكون عنه الإجابة للإيمان.
ولما ذكر أنه {ما يستوي الأحياء ولا الأموات}، قال: {وما أنت بمسمع من في القبور}: أي هؤلاء، من عدم إصغائهم إلى سمع الحق، بمنزلة من هم قد ماتوا فأقاموا في قبورهم.
فكما أن من مات لا يمكن أن يقبل منك قول الحق، فكذلك هؤلاء، لأنهم أموات القلوب.
وقرأ الأشهب، والحسن بمسمع من، على الإضافة؛ والجمهور: بالتنوين.
{إن أنت إلا نذير}: أي ما عليك إلا أن تبلغ وتنذر.
فإن كان المنذر ممن أراد الله هدايته سمع واهتدى، وإن كان ممن أراد الله ضلاله فما عليك، لأنه تعالى هو الذي يهدي ويضل.
و{بالحق}: حال من الفاعل، أي محق.
أو من المفعول، أي محقًا، أو صفة لمصدر محذوف، أي إرسالًا بالحق، أي مصحوبًا.
قال الزمخشري: أو صلة بشير ونذير، فنذير على بشير بالوعد الحق؛ ونذير بالوعيد. انتهى.
ولا يمكن أن يتعلق بالحق هذا بشير ونذير معًا، بل ينبغي أن يتأول كلامه على أنه أراد أن ثم محذوفًا، والتقدير: بالوعد الحق بشيرًا، وبالوعيد الحق نذيرًا، فحذف المقابل لدلالة مقابله عليه.
{وإن من أمّة إلا خلا فيها نذير}، الأمة: الجماعة الكثيرة، والمعنى: أن الدعاء إلى الله لم ينقطع عن كل أمة.
أما بمباشرة من أنبيائهم وما ينقل إلى وقت بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، والآيات التي تدل على أن قريشًا ما جاءهم نذير معناه لم يباشرهم ولا آباؤهم القريبين، وأما أن النذارة انقطعت فلا.
ولما شرعت آثار النذراة تندرس، بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم.
وما ذكره أهل علم الكلام من حال أهل الفترات، فإن ذلك على حسب العرض لأنه واقع، ولا توجد أمة على وجه الأرض إلا وقد علمت الدعوة إلى الله وعبارته.
واكتفى بذكر نذير عن بشير، لأنها مشفوعة بها في قوله: {بشيرًا ونذيرًا}، فدل ذلك على أنه مراد، وحذف للدلالة عليه.
{وإن يكذبوك}: مسلاة للرسول صلى الله عليه وسلم، وتقدّم الكلام على نظير هذه الجمل في أواخر آل عمران.
قوله: {فكيف كان نكير}، توعد لقريش بما جرى لمكذبي رسلهم. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}.
التفسير: لما بين في آخر السورة المتقدمة انقطاع رجاء الشاك وعدم قبول توبته في الآخرة ذكر في أوّل هذه السورة حال الموفق المؤمن وبشر بإرسال الملائكة إليهم مبشرين، وبين أنه يفتح لهم أبواب الرحمة. و{فاطر السموات والأرض} مبدعهما أو شاقهما لنزول الأرواح من السماء وخروج الأجساد من الأرض يؤيد التفسير الثاني قوله: {جاعل الملائكة رسلًا} وقوله: {وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون} [الأنبياء: 103] و{أولي أجنحة} اي أصحاب أجنحة أراد أن طائفة منهم أجنحة كل منهم اثنان اثنان، وبعضهم أجنحة ثلاثة ثلاثة لعل الثالث منها في وسط الظهر بين الجناحين يمدهما بقوة أو لعله لغير الطيران فلقد رأيت في بعض الكتب أن صنفًا من الملائكة لهم ستة أجنحة، فجناحان يلفون بهما أجسادهم، وجناحان يطيرون بهما في الأمر من أمور الله عز وجل، وجناحان مرخيان على وجوههم حياء من الله عز وجل. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى جبرائيل عليه السلام ليلة المعراج وله ستمائة جناح.
وروي أن إسرافيل له اثنا عشر جناحًا، جناح منها بالمشرق، وجناح بالمغرب، وإن العرش على كاهله وإنه ليتضاءل لعظمة الله سبحانه وتعالى حتى يعود مثل الوصع وهو العصفور الصغير. ويجوز أن يخالف حال الملائكة حال الطيور في الطيران كالحيوان الذي يدب بأرجل كثيرة، ويجوز أن يكون البعض للزينة، ويجوز أن يكون كل جناح ذا شعب. قال الحكيم: الجناحان إشارة إلى جهتين: جهة الأخذ من الله، وجهة الإعطاء لمن دونهم بإذن الله كقوله: {نزل به الروح الأمين على قلبك} [الشعراء: 193 194] {علمه شديد القوى} [النجم: 5] {فالمدبرات أمرا} [النازعات: 5] ومنهم من يفعل بواسطة فلهم ثلاث جهات أو أكثر على حسب الوسائط. ثم بين كمال قدرته بقوله: {ويزيد في الخلق ما يشاء} والظاهر أنه عام يتناول كل زيادة في كل أمر يعتبر في الصورة كحسن الوجه والخط والصوت ونحوهما، أو في المعنى كحصافة العقل وجزالة الرأي وسماحة النفس وذلاقة اللسان وغير ذلك من الأخلاق الفاضلة. ثم أكد نفاذ أمره وجريان الأمور على وفق مشيئته بقوله: {وما يفتح الله للناس} الآية. وفيها دلالة على أن رحمته سبقت غضبه من جهة تقديم الرحمة ومن جهة بيان الضمير في القرينة الأولى بقوله: {من رحمة} والإطلاق في قوله: {وما يمسك} فيشمل إمساك الغضب وإمساك الرحمة. ومن جهة قوله: {من بعده} أي من بعد إمساكه فيفيد أن الرحمة إذ جاءته لم يكن لها انقطاع وإن ضدّها قد ينقطع وإن كان لا يقطعه إلا الله ولهذا لا يخرج أهل الجنة من الجنة وقد يخرج أهل النار من النار {وهو العزيز} الغالب على إرسال الرحمة وإمساكها {الحكيم} الذي لا يمسك ولا يرسل إلا عن علم كامل وصلاح شامل. وحيث بين أن الحمد لله وبين بعض وجوه النعمة المستدعية للحمد على التفصيل أمر المكلفين بتذكر العمة على الإجمال لسانًا وقلبًا وعملًا، ومنه قول الرجل لمن أنعم عليه: اذكر أياديّ عندك يريد حفظها وشكرها والعمل بموجبها.